الخميس السادس بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم (متّى 13 / 24 ـ 30)

 

24 ضرب يسوع لهم مثلًا آخر قائلًا: "يشبه ملكوت السماوات رجلًا زرع في حقله زرعًا جيّدًا.

 

25  وفيما الناس نائمون، جاء عدوّه وزرع زؤانًا بين القمح ومضى.

 

26 ولمّا نبت القمح وأعطى سنبلًا، ظهر الزؤان أيضًا.

 

27 ودنا عبيد ربّ البيت فقالوا له: يا سيّد، أما زرعتَ في حقلكَ زرعًا جيّدًا، فمن أين الزؤان الذي فيه؟

 

28 فقال لهم: إنسان عدوّ فعل هذا. فقال له العبيد: أتريد أن نذهب فنجمع الزؤان؟

 

29 فقال: لا! لئلّا تقلعوا القمح وأنتم تجمعون الزؤان.

 

30 دعوهما ينموان معًا حتّى الحصاد. وفي وقت الحصاد أقول للحصّادين: اجمعوا الزؤان أوّلًا، واربطوه حزمًا ليحرق. أمّا القمح فاجمعوه إلى أهرائي".

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

1 ـ أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة الليتورجيّة" وفي "قراءة رعائية"، العنوان التالي "مَثَل الزؤان"؛ ولكن، بما أنّ قراءة النصّ تُظهر أن الكلام يتوزّع، بالتساوي تقريبًا، عن القمح والزؤان، وينتهي بالإعلان عن بقاء ذاك وإتلاف هذا، فإنّنا نقترح له العنوان التالي القمح والزؤان معًا (راجع، "الترجمة الليتورجيّة" متّى 13 / 49، حاشية).

 

2 ـ يصف الربّ، في هذا المَثَل، واقع حال هذا العالم، واقع حال كلّ إنسان في هذا العالم، بتواجد القمح والزؤان، الخير والشرّ فيه معًا! من بين الأفكار الرئيسة في تعريف الفلسفة لواقع الشرّ في العالم ولدى الإنسان، فكرة هذا التواجد معًا، والترافق غير المنفصل فيما بينهما، بمعنى أنّه من غير الممكن أن يقوم إنسان بعمل كلّه خير، وليس فيه شرّ، أو بالعكس، أن يقوم، هذا الإنسان، بعمل كلّه شرّ، وليس فيه خير؛ لذلك، وجب على الإنسان، الراغب في الحصول على كمال الإنسان المؤمن أن يتنقّى، بالضرورة وبطريقة متواصلة، من الشرّ الملتصق بالخير فيه.

 

 

3 ـ يبقى أن نشير أخيرًا، إلى أمرين هامّين، في نصّ هذا المَثَل: الأمر الأوّل، هو أمر "العدوّ" الذي زرع الزؤان، فمن هو هذا العدوّ؟ نعرف أنّ الزارع الزرع الجيّد، أي القمح، هو الله، هو كلمة الملكوت التي حملها إلينا يسوع، وقد زُرعت ولا تزال تُزرع  في هذا العالم؛ ولكنّنا لا نعرف مَن هو زارع الزؤان!؟

 

والأمر الثاني، هو في اقتراح "العبيد" إزالة هذا الواقع الأليم، بجمع الزؤان من بين القمح، وملاحظة الزارع الحكيمة على هذا الاقتراح ورفضه، كم من الأهل، وكم من المربّين خاصّة، يتصرّفون وفق ما اقترحه هؤلاء "العبيد"، فيقتلعون الخير من أبنائهم وتلاميذهم بحجّة أو بمحاولة اقتلاع الشرّ منهم!

 

 

4 ـ هنا يدرج، وفي محلّه، الشرح المقترح لهذا النصّ في "الترجمة الليتورجيّة": يعبّر هذا المَثَل عن الفارق الكبير بين منطق يسوع الجديد، وبين منطق العهد القديم الذي عبّر عنه الفرّيسيّون والكتبة والرؤساء، وحتّى يوحنّا المعمدان نفسه: ليس هدف يسوع استئصال الشرّ، حالًا وبالقوّة، من العالم، بل هدفه إعطاء الناس وقتًا لإنماء الخير فيهم وفي ما حولهم؛ سوف يأتي وقت، يستأصل الله فيه، الشرّ من الذين يصرّون عليه، فالغالب هو الصابر إلى النهاية (24 / 13 ).

 

 

 

ثانيًا قراءة رعائية

 

 

1 ـ هذا المثل امتداد لمثل الزارع، لكنّه لا يتكلّم إلّا عن الأرض الجيّدة، حيث قد ينبت، مع القمح، الزؤان، ويبقيان معًا طوال المدّة الفاصلة بين مجيء الربّ الأوّل ومجيئه الثاني؛ إذن، الله يصبر حتّى النهاية، يقبل بوجود الأبرار والأشرار معًا، حتّى النهاية، حيث يتمّ الفرز ويتقرّر المصير.

 

رأينا سابقًا، في مَثَل الزارع، أنّ الفشل يرافق عمل الزارع في ثلاث حالات؛ وهنا، نرى أنّ فشلًا آخر، متمثلًّا بالزؤان، يرافق عمل الزارع، حتّى في الحالة الرابعة؛ إلى متى نحتمل الزؤان في الحقل مع القمح؟ لا يقدر المؤمن أن يحكم بين صالح ورديء، بل عليه أن يترك الحكم لله، مع الثقة أنّ القمح (الملكوت) يواصل نموّه مع ما  فيه من نقص وخطيئة (زؤان).

 

 

2 ـ شرح عبارات وكلمات

 

أ ـ "ظهر الزؤان أيضًا" (26)

 

في الأصل، كان القمح، كما الزؤان، مخفيًّا؛ ثمّ ظهرا معًا، فتعجّب "العبيد" الذين ظنّوا أنّ الكنيسة هي جماعة القدّيسين.

 

ب ـ "إنسان عدوّ" (28)

 

 عدوّ يخرّب عمل الزارع؛ فالعبيد الذين أرادوا قلع الزؤان، غاب عن ذهنهم أنّ الزؤان هو فيهم أيضًا، وإلّا تصرّفوا كالفرّيسيّين (لو 18 / 11).

                                                    

                                                                الأب توما مهنّا